فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (34):

{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ} تقدم في سبحان. {أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً} لأنهم في جهنم.
وقال مقاتل: قال الكفار لأصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو شر الخلق. فنزلت الآية. {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أي دينا وطريقا. ونظم الآية: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق، وأنت منصور عليهم بالحجج الواضحة، وهم محشورون على وجوههم.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} يريد التوراة. {وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً} تقدم في طه {فَقُلْنَا اذْهَبا} الخطاب لهما.
وقيل: إنما أمر موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذهاب وحده في المعنى. وهذا بمنزلة قوله: {نَسِيا حُوتَهُما}. وقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} وإنما يخرج من أحدهما. قال النحاس: وهذا مما لا ينبغي أن يجترئ به على كتاب الله تعالى، وقد قال عز وجل: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى. قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى. فَأْتِياهُ فَقُولا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ}
ونظير هذا {وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ}. وقد قال جل ثناؤه {ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا} قال القشيري: وقوله في موضع آخر: {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} لا ينافي هذا، لأنهما إذا كان مأمورين فكل واحد مأمور. ويجوز أن يقال: أمر موسى أولا، ثم لما قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي} قال: {اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ}. {إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} يريد فرعون وهامان والقبط. {فَدَمَّرْناهُمْ} في الكلام إضمار، أي فكذبوهما {فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً} أي أهلكناهم إهلاكا.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37)}
قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ} في نصب {قَوْمَ} أربعة أقوال: العطف على الهاء والميم في {فَدَمَّرْناهُمْ}.
الثاني- بمعنى اذكر.
الثالث- بإضمار فعل يفسره ما بعده، والتقدير: وأغرقنا قوم نوح أغرقناهم.
الرابع- إنه منصوب ب {أَغْرَقْناهُمْ} قاله الفراء. ورده النحاس قال: لان {أغرقنا} ليس مما يتعدى إلى مفعولين فيعمل في المضمر وفى {قَوْمَ نُوحٍ}. {لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} ذكر الجنس والمراد نوح وحده، لأنه لم يكن في ذلك الوقت رسول إليهم إلا نوح وحده، فنوح إنما بعث بلا إله إلا الله، وبالإيمان بما ينزل الله، فلما كذبوه كان في ذلك تكذيب لكل من بعث بعده بهذه الكلمة.
وقيل: إن من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل، لأنهم لا يفرق بينهم في الايمان، ولأنه ما من نبى إلا يصدق سائر أنبياء الله، فمن كذب منهم نبيا فقد كذب كل من صدقه من النبيين. {أَغْرَقْناهُمْ} أي بالطوفان. على ما تقدم في هود. {وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} أي علامة ظاهرة على قدرتنا {وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ} أي المشركين من قوم نوح {عَذاباً أَلِيماً} أي في الآخرة.
وقيل: أي هذه سبيلي في كل ظالم.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38)}
قوله تعالى: {وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً} كله معطوف على {قَوْمَ نُوحٍ} إذا كان {قَوْمَ نُوحٍ} منصوبا على العطف، أو بمعنى اذكر. ويجوز أن يكون كله منصوبا على أنه معطوف على المضمر في {فَدَمَّرْناهُمْ} أو على المضمر في {جَعَلْناهُمْ} وهو اختيار النحاس، لأنه أقرب إليه. ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار فعل، أي اذكر عادا الذين كذبوا هودا فأهلكهم الله بالريح العقيم، وثمودا كذبوا صالحا فأهلكوا بالرجفة. و{أَصْحابَ الرَّسِّ} والرس في كلام العرب البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس. قال:
تنابلة يحفرون الرساسا ** يعني آبار المعادن

قال ابن عباس: سألت كعبا عن أصحاب الرس قال: صاحب يس الذي قال: {يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} قتله قومه ورسوه في بئر لهم يقال لها الرس طرحوه فيها، وكذا قال مقاتل. السدى: هم أصحاب قصة يس أهل أنطاكية، والرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار مؤمن آل يس فنسبوا إليها.
وقال على رضي الله عنه: هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر فدعا عليهم نبيهم، وكان من ولد يهوذا، فيبست الشجرة فقتلوه ورسوه في بئر، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم.
وقال ابن عباس: هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياء فجفت أشجارهم وزروعهم فماتوا جوعا وعطشا.
وقال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر يقعدون عليها وأصحاب مواشي، وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيبا فكذبوه وآذوه، وتمادوا على كفرهم وطغيانهم، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعا.
وقال قتادة: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيبا فكذبوه فعذبهما الله بعذابين. قال قتادة: والرس قرية بفلج اليمامة.
وقال عكرمة: هم قوم رسوا نبيهم في بئر حيا. دليله ما روى محمد بن كعب القرظي عمن حدثه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة عبد أسود وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى قومه فلم يؤمن به إلا ذلك الأسود فحفر أهل القرية بئرا وألقوا فيه نبيهم حيا وأطبقوا عليه حجرا ضخما
وكان العبد الأسود يحتطب على ظهره ويبيعه ويأتيه بطعامه وشرابه فيعينه الله على رفع تلك الصخرة حتى يدليه إليه فبينما هو يحتطب إذ نام فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما ثم هب من نومه فتمطى واتكأ على شقه الآخر فضرب الله على أذنه سبع سنين ثم هب فاحتمل حزمة الحطب فباعها وأتى بطعامه وشرابه إلى البئر فلم يجده وكان قومه قد أراهم الله تعالى آية فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه ومات ذلك النبي»
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن ذلك العبد الأسود لأول من يدخل الجنة» وذكر هذا الخبر المهدوي والثعلبي، واللفظ للثعلبي، وقال: هؤلاء آمنوا بنبيهم فلا يجوز أن يكونوا أصحاب الرس، لان الله تعالى أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم، إلا أن يدمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم.
وقال الكلبي: أصحاب الرس قوم أرسل الله إليهم نبيا فأكلوه. وهم أول من عمل نساؤهم السحق، ذكره الماوردي.
وقيل: هم أصحاب الأخدود الذين حفروا الأخاديد وحرقوا فيها المؤمنين، وسيأتي.
وقيل: هم بقايا من قوم ثمود، وأن الرس البئر المذكورة في الحج في قوله: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} على ما تقدم.
وفي الصحاح: والرس اسم بئر كانت لبقية من ثمود.
وقال جعفر بن محمد عن أبيه: أصحاب الرس قوم كانوا يستحسنون لنسائهم السحق، وكان نساؤهم كلهم سحاقات.
وروى من حديث أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السحق».
وقيل: الرس ماء ونخل لبنى أسد.
وقيل: الثلج المتراكم في الجبال، ذكره القشيري. وما ذكرناه أولا هو المعروف، وهو كل حفر احتفر كالقبر والمعدن والبئر. قال أبو عبيدة: الرس كل ركية لم تطو، وجمعها رساس. قال الشاعر: وهم سائرون إلى أرضهم فيا ليتهم يحفرون الرساسا والرس اسم واد في قول زهير: بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهن لوادى الرس كاليد للفم ورسست رسا: حفرت بئرا. ورس الميت أي قبر. والرس: الإصلاح بين الناس، والإفساد أيضا وقد رسست بينهم، فهو من الأضداد. وقد قيل في أصحاب الرس غير ما ذكرنا، ذكره الثعلبي وغيره. {وقرونا بين ذلك كثيرا} أي أمما لا يعلمهم إلا الله بين قوم نوح وعاد. وثمود وأصحاب الرس. وعن الربيع بن خيثم اشتكى فقيل له: ألا تتداوى فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر به؟ قال: لقد هممت بذلك ثم فكرت فيما بيني وبين نفسي فإذا عاد وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا كانوا أكثر وأشد حرصا على جمع المال، فكان فيهم أطباء، فلا الناعت منهم بقي ولا المنعوت، فأبى أن يتداوى فما مكث إلا خمسة أيام حتى مات، رحمه الله.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39)}
قوله تعالى: {وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} قال الزجاج. أي وأنذرنا كلا ضربنا له الأمثال وبينا لهم الحجة، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة.
وقيل: انتصب على تقدير ذكرنا كلا ونحوه، لان ضرب الأمثال تذكير ووعظ، ذكره المهدوي. والمعنى واحد. {وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً} أي أهلكنا بالعذاب. وتبرت الشيء كسرته.
وقال المؤرج والأخفش: دمرناهم تدميرا. تبدل التاء والباء من الدال والميم.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ} يعني مشركي مكة. والقرية قرية قوم لوط. و{مَطَرَ السَّوْءِ} الحجارة التي أمطروا بها. {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها} أي في أسفارهم ليعتبروا. قال ابن عباس: كانت قريش في تجارتها إلى الشام تمر بمدائن قوم لوط كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ}
وقال: {وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ} وقد تقدم. {بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً} أي لا يصدقون بالبعث. ويجوز أن يكون معنى {يَرْجُونَ} يخافون. ويجوز أن يكون على بابه ويكون معناه: بل كانوا لا يرجون ثواب الآخرة.

.تفسير الآيات (41- 42):

{وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42)}
قوله تعالى: {وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً} جواب {إِذا} {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ} لان معناه يتخذونك.
وقيل: الجواب محذوف وهو قالوا أو يقولون: {أهذا الذي} وقوله: {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً} كلام معترض. ونزلت في أبى جهل كان يقول للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستهزئا: {أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} والعائد محذوف، أي بعثه الله. {رَسُولًا} نصب على الحال والتقدير: أهذا الذي بعثه الله مرسلا. {أَهذَا} رفع بالابتداء و{الَّذِي} خبره. {رَسُولًا} نصب على الحال. و{بَعَثَ} في صلة {الَّذِي} واسم الله عز وجل رفع ب {بَعَثَ}. ويجوز أن يكون مصدرا، لان معنى {بَعَثَ} أرسل ويكون معنى {رَسُولًا} رسالة على هذا. والألف للاستفهام على معنى التقرير والاحتقار. {إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا} أي قالوا قد كاد أن يصرفنا. {عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها} أي حبسنا أنفسنا على عبادتها. قال الله تعالى: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا}
يريد من أضل دينا أهم أم محمد، وقد رأوه في يوم بدر.

.تفسير الآية رقم (43):

{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)}
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} عجب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إضمارهم على الشرك وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه خالقهم ورازقهم، ثم يعمد إلى حجر يعبده من غير حجة. قال الكلبي وغيره: كانت العرب إذا هوى الرجل منهم شيئا عبده من دون الله، فإذا رأى أحسن منه ترك الأول وعبد الأحسن، فعلى هذا يعنى: أرأيت من اتخذ إلهه بهواه، فحذف الجار.
وقال ابن عباس: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا هذه الآية.
قال الشاعر:
لعمر أبيها لو تبدت لناسك ** قد اعتزل الدنيا بإحدى المناسك

لصلى لها قبل الصلاة لربه ** ولا ارتد في الدنيا بأعمال فاتك

وقيل: {اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} أي أطاع هواه. وعن الحسن لا يهوى شيئا إلا أتبعه، والمعنى واحد. {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حفيظا وكفيلا حتى ترده إلى الايمان وتخرجه من هذا الفساد. أي ليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئك، وإنما عليك التبليغ. وهذا رد على القدرية. ثم قيل: إنها منسوخة بآية القتال.
وقيل: لم تنسخ، لان الآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.تفسير الآية رقم (44):

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)}
قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} ولم يقل أنهم لان منهم من قد علم أنه يؤمن. وذمهم عز وجل بهذا. {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} سماع قبول أو يفكرون فيما تقول فيعقلونه، أي أهم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع.
وقيل: المعنى أنهم لما لم ينتفعوا بما يسمعون فكأنهم لم يسمعوا، والمراد أهل مكة.
وقيل: {أَمْ} بمعنى بل في مثل هذا الموضع. {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأنعام} أي في الأكل والشرب لا يفكرون في الآخرة. {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} إذ لا حساب ولا عقاب على الأنعام.
وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها وتهتدى إلى مراعيها وتنقاد لأربابها التي تعقلها، وهؤلاء لا ينقادون ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم.
وقيل: لان البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك أيضا.